الأحد، 2 يناير 2011

عن الآخـــــــــر ..

لا بد أولا من التأكيد على أن اصطلاح "الآخر" لا يعني العدو
أو الطرف السيء أو الغريب
وأن اختلاف أي إنسان مع إنسان آخر لا يعني بالضرورة
أن أحدهما يتصف يالسوء
فالاختلاف عن الآخر لا يجوز أن يؤدي إلى الخلاف معه
أو الانفصال عنه
لأن وجود الآخر هو ما يثري رؤيتنا للأمور
ويجعلنا نتلمس الحقائق ونراها من وجهة نظر أخرى

ويجب أن لا ننسى أن الجهل بالآخر هو أساس العداء معه
وأن الإنسان بدون الآخرين كأنه يبدأ من الصفر
فحاجته إلى الآخر هي مما تقتضيه الرغبة في الإكتمال
ولا يكتمل للذات وعيها إلا عندما يكتمل وعيها بالآخر
فنحن نأخذ من الآخرين بقدر ما نضيف إليهم
وعلى الإنسان أن يتذكر أيضا أنه بالنسبة للآخرين .. آخر

وعلى كل حال فـ "الآخر" أو "الآخرون" هي فكرة فلسفية
وهي المضادة لمعنى "فلسفة الذات"
وهناك من الفلاسفة من أطلق على الآخــــــــر
إسم "الذات الأخرى" .. مما يستوجب الاهتمام به أو بها

عن السعـــــــادة ..


السعادة .. هي رحلة ، وليست محطة للوصول
يكتنفها شعور صادق متوهج بمباهج الحياة وحبها

ولو شبّهنا الحياة بالنغمة الحلوة
فإن السعادة هي عندما نجد النص الملائم لهذه النغمة

والسعادة هي حالة ذهنية .. نتيجة الشعور بالرضا
والراحة والسلام الداخلي والطمأنينة
نتيجة قناعة الإنسان بما يؤديه في الحياة
إنها خليط من الراحة النفسية والعقلية والبدنية
غالبا ما نشعر بها عند إنجازنا لعمل ما أو تحقيق أمنية ما
على أن الحياة أكثر بكثير من مجرد أن نحقق لأنفسنا فوزا أو هدفا

ويقال أن الدماغ البشري يفرز هرمونا يسمى الـ سيروتونين
هو المسئول عن الشعور بالسعادة
وما الأدوية الموصوفة لمكافحة الكآبة سوى عامل مساعد
غني بمادة الـ تريتوفان القادرة على تحفيز الدماغ البشري كيميائيا
على إفراز ذلك الهرمون المذكور

وكما يقول أبراهام لنكولن
الناس سعداء بقدر ما عقدوا العزم على الوصول إلى ما يسعدهم

فإذا أردت أن تكون سعيدا فما عليك سوى أن تتخذ القرار بذلك
فسعادة الإنسان تنبع من داخله
والثقة بالنفس لها دور قوي في صنع سعادتنا

وعلى الإنسان ، كما يقول الحكماء ، أن يحرص على
أن يشغل نفسه بالحق .. وإلا شغلته الحياة بالباطل

إذن .. فالسعادة ليست هدفا ، وإنما هي أسلوب في الحياة
وهي خيار كثيرا ما يحتاج إلى مجهود . إنها رحلة
وليست ، كما قلنا ، محطة نصل إليها
ولكي تتوفر لنا السعادة .. لا بد من شرطين هما
الأحلام .. والإرادة
وهؤلاء الذين يؤمنون بجدوى أحلامهم وجمالها
لا بد لهم من امتلاك زمام المستقبل
و لو انعدمت الأحلام , فإن الحياة ستكون مثل طير مكسورالجناح .. لايطير
ولكي تحقق الأشياء العظيمة يجب أن لا "تعمل" و"تخطط" و"تؤمن" فحسب
بل وأن يسبق ذلك كله أحلامك
ولا بأس من أن تحلم بالنجوم ، ولكن في نفس الوقت
يجب ألا تنسى أن تحرص على أن تبقى قدمك ثابتة على الأرض
كما أنه لا بأس من أن تحلم لوحدك
ولكنك عندما تشارك الآخرين في أحلامك ، فهذه هي بداية الواقع ، او الواقعية

والسعادة شيء نسبي .. فهي في سن معينة غيرها في سن آخر
ولا يمكن للإنسان أن يستشعرالسعادة إلا إذا أحس بها منعكسة من الآخرين
فلا يعرف السعادة من لا يبحث عنها في عيونهم
وهناك من يجدون سعادتهم في إسعاد الحيوانات البهيــمة الأليفة
وما أصدق هؤلاء

أما أركان السعادة المتعارف عليها فهي أربعة
شيء تحبه وتؤمن به
وشيء ترجوه وتسعى إليه
وشيء تعمله وتتفانى في عمله
وشيء تعطيه وأنت تشعر أنك لن تفقده

فلا تأتي السعادة إلا نتيجة إيمانك بما تفعله ، ومعرفتك به وحبك له
و هي الشيء الوحيد الذي يتزايد لديك كلما عاودت منحه للآخرين

" جوته" يتغنى بقوله
ما أسعده ، كان فلاحا أم ملكا ، ذلك الذي يجد الأمان في بيته .. وطنه

عن الحب


يقول أناس لو وصفت لنا الهــــوى
فوالله ما أدري الهوى كيف يوصف
هذا ما قاله الشاعر"كرمة بن هانئ" ، الشهير بأبي نواس ، نفسه
أما أنا فقد سبق لي أن قلت في الفن جملة يمكنني أن أستعيرها
في سياق محاولتي هذه للحديث عن الحب
مع بعض التصرف في تتابع الكلمات
والحب ، بعلاقته الوثيقة المتواطئة مع الأحلام
يعتبر شريكا وثيق الصلة بالفن والجمال
وقد أسس أفلاطون لهذا التعريف بقوله
"مع لمسة الحب .. نصبح كلنا شعراء "

الحب يجعل من تفاصيل الحياة المملة شيئا جميلا
الحب هو أن نبحرمعا في قارب واحد اسمه الرغبة في الإكتمال
أن ندخل معا في حالة من الوجد الحلال
إنه رحلة في بحراللذة والمتعة تحملك أمواجه إلى عوالم لم تكن تعرفها
وممارسة الحب ، بالمفهوم الإنساني ، هي بدون شك من أهم الأشياء في الحياة
وإن توحّد الإشباع الذهني والبدني في متعة الحب
لهو بلوغ لأحلى ذروات سلام النفس
والحب مطلب فطري ، وكمال إنساني وتكامل بين العواطف والمشاعر
وبين نداء العقل والبصيرة ولا يجوز كتمانه وحرمانه من التنفس والنمو في الهواء الطلق
فالقلب الممتليء بالحب يختنق إذا لم يجد من يحب وما يحب
غاندي يقول
"أينما يوجد الحب توجد الحياة"
فالحب هدفه الأبدي هو الحياة
ونقيضه هو الشر الذي سرعان ما يختفي من المكان الذي يوجد فيه الحب
وهو الحل الوحيد للخروج من سجن الذات إلى اتساع الكون ورحابة الآخرين
وفي نظري أن
أجمل "فعل" في الحياة الدنيا .. هو فعل
"يحب "
ومن بعده يأتي فعل
"يعمل "
كما أن الأعمال العاديه الأخرى تبدو جميلة من خلال الحب

الحب هو عندما يسكن كل منا في أفكارالآخر
وتنمو فينا رغبة في تزاوج الحلم والواقع
وتكامل الحسي مع المعنوي .. والجسدي مع الروحي

الحياة بدون حب كأنها الجسد بلا روح
أو كما يقول "جبران
كأنها الأشجار بلا براعم أو ثمار

وأقول
ما أشبه كلمة "الحُب" ، بضم الحاء ، بكلمة "الحَب" ، بفتح حائها
فالحَب - بفتح الحاء - شيء تمسكه بيديك .. تمتلكه
تجد له الأرض المناسبة
.. تبذره .. تعطيه .. ترعاه دون أن تمل الإنتظار
فإذا أنت أحسنت اختيارك للمكان وللزمان
وأخلصت في الرعاية
نبت عطاؤك ، وجنيت الثمار
والحُب - بالضمة - شيء من هذا القبيل
إنه أيضا بذرة . يفترض أن تكون بين يديك .. أو لديك
تضعها في التربة التي تختارها
وبشيء من العناية.. وكثيرمن الصدق في العطاء
تجني الثمار.. سنابل من الحُب
سوف تحصل على الحب إذا أنت أعطيته بصدق
وإذا عرفت لمن تعطيه .. وكيف ومتى تعطيه

وليس للحب علاقة بما تصبو إليه وتحصل عليه
بل بما أنت مقبل على إعطائه
لأن الحياة من أجل الآخرين هي التي تستحق أن تعاش
وقد تستطيع أن تعطي من غير حب
ولكن أي جدوى في أن تحب بغير عطاء ؟
والحب هو ذلك الفيض الخالد الدائم من الطاقة
التي من شأنها أن تمنح الإنسان الهدوء وتهبه الشعور بالأمن
والسعادة وتحقيق الذات ، والثقة بها ..
وتجعله يتعرف على مواطن الضعف والقوة في نفسه
وأن يحبك أحد بعمق فذلك مما يعطيك القوة والثقة بالنفس
وأن تحب أحدا بعمق فذلك مما يعطيك الشجاعة

إن الحب يحول المر حلوا، والتراب تبرا، والكدر صفاء
والألم شفاء، والسجن روضة، والسقم نعمة
وهو الذي يلين الحديد ويذيب الحجر، ويبعث الميت، وينفخ فيه الحياة
هذا ماقاله جلال الدين الرومي
أما ابن حزم فيقول في رائعته "طوق الحمامة"
الحب هو اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة
وتفسير ذلك أن الحب هو إرادة إلهية تمتزج بقوتها روحين
في روح واحده
وأن النفس تنقسم ذات حين
وعندما يحين أوان التئام شطريها ثانية
يقال أن "الحب" قد شاء أن يصل بين النفسين

وهنا يطيب لي القول أن للأشياء "رنين" تتميز به
فإذا ما تأملتها سرعان ما يستجيب مكانها في الذاكرة إلى نداءه
تماما مثلما تعلمنا في دروس الطبيعة ، الفيزباء
وفي تجربة "الشوكةالرنانة" ، ذات "التردد" المعين
التي تستجيب لرنين شوكة أخرى لها تردد مساو في القيمة
كذلك الأشخاص .. يتجاذبون ، ويتحابون ، عن طريق ظاهرة الرنين هذه

و ربما نجد في ذلك تفسيرا لما يسمى بالحب من النظرة الأولى
الذي لا أعتقد أنه من قبيل اللامعقول كما يتصور البعض
في بعض الأحيان
فنحن بشكل عام نكون قد وضعنا تصورنا مسبقا لما سيكون عليه الإنسان
الذي سوف نحبه ، حزينا أو مرحا ، رشيقا أو مكتنزا
أسمرا أو أشقرا ، بضفائر ذهبية أو كستنائية ، وعيون خضراء أو سوداء ..إلخ
وعندما نلتقي بنموذج يحمل تلك الصفات التي تروق لنا
فسرعان ما تتحقق ظاهرة "الرنين"أو سرعان ما
يحين أوان التئام شطري النفس المقسومة

الحب.. هو ذلك الإحساس الفطري بالقدرة على العطاء
والرغبة فيه .. والحاجة إليه.
وهو تلك الطاقة الكامنة في داخلنا ، القريبة الشبه من طاقة الأمومة
التي لا بد لها أن تجد المكان الذي تتنفس و تنمو فيه
إنه تلك المعزوفة التي تتوفر فيها شروط الخلود

هناك سعادة واحدة في هذه الحياة .. هي أن نحِب ونحَب
وربما كان الجحيم هو أحدهما منفردا

شوقي يقول :
"نحن في الحب حديث بعدنا"
ومحمود درويش يقول
"أنا وحبيبي صوتان في شفة واحدة "

وأخيرا وليس آخرا
أحب أن لا تفوتني الإشارة إلى مقولة دارجة عن الحب
وهي أن
الحب أعمى
وهي مقولة خاطئة ناتجة عن الخلط بين
"العمى" و "العَمَهْ "
فالعمى للبصر والرؤية الحسية
والعمه للبصيره والإدراك المعنوي
والتبصر هو إعمال للعقل وليس للعين
، والأصح ، هنا ، هو أن نقول ، إن جاز لنا أن نقول
الحُبُّ عَمَه
أو أن
المُحِب أعْمَهٌ
لأنه لا يأبه بالعوائق ولا يهتم بالعقبات

ويقول أناس لو وصفت لنا الهـــوى
فوالله ما أدري الهوى كيف يوصف